فصل: ذكر بعض سيرته

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر ولاية خفاجة بن سفيان صقلية وابنه محمد وغزواتهما

قد ذكرنا سنة ست وثلاثين ومائتين أن أمير صقلية العباس توفي سنة سبع وأربعين فلما توفي ولى الناس عليهم ابنه عبد الله بن العباس وكتبوا إلى الأمير بإفريقية بذلك وأخرج عبد اله السرايا ففتح قلاعًا متعددة منها‏:‏ جبل أبي مالك وقلعة الأرمنين وقلعة المشارعة فبقي كذلك خمسة أشهر‏.‏

ووصل من إفريقية خفاجة بن سفيان أميرًا على صقلية فوصل في جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين ومائتين فأول سرية أخرجها سرية فيها ولده محمود فقصد سرقوسة فغمن وخرب وأحرق وخرجوا إليه فقاتلهم فظفر وعاد فاستأمن إليه أهل رغوس وقد جاء سنة اثنتين وخمسين أن أهل رغوس استأمنوا فيها على ما نذكره ولا نعلم أهذا اختلاف من المؤرخين أم هما غزاتان ويكون أهلها قد غدروا بعد هذه الدفعة والله أعلم‏.‏

وفي سنة خمسين ومائتين فتحت مدينة نوطس وسبب ذلك أن بعض أهلها أخبر المسلمين بموضع دخلوا منه إلى البلد في المحرم فغمنوا منها أموالًا جليلة ثم فتحوا شكلة بعد حصار‏.‏

وفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين سار خفاجة إلى سرقوسة ثم إلى جبل النار فأتاه رسل أهل طبرمين يطلبون الأمان فأرسل إليهم امرأته وولده في ذلك فتم الأمر ثم غدروا فأرسل خفاجة محمدًا في جيش إليها ففتحها وسبى أهلها‏.‏

وفيها أيضًا سار خفاجة إلى رغوس فطلب أهلها الأمان ليطلق رجل من أهلها بأموالهم ودوابهم ويغمن الباقي ففعل وأخذ جميع ما في الحصن من مال ورقيق ودواب وغير ذلك وهادنه أهل الغيران وغيرهم وافتتح حصونًا كثيرة ثم مرض فعاد إلى بلرم‏.‏

وفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين سار خفاجة من بلرم إلى مدينة سرقوسة وقطانية وخرب بلادها وأهلك زروعها وعاد وسارت سراياه إلى أرض صقلية فغمنوا غنائم كثيرة‏.‏

وفي سنة أربع وخمسين ومائتين ار خفاجة في العشرين من ربيع الأول وسير ابنه محمدًا على الحراقات وسر سرية إلى سرقوسة فغمنوا وأتاهم الخبر أن بطريقًا قد سار من القسطنطينية في جمع كثير وغمن المسلمون منهم غنائم كثيرة ورحل خفاجة إلى سرقوسة فأفسد زرعها وغمن منها وعاد إلى بلرم وسير ابنه محمدًا في البحر مستهل رجب إلى مدينة غيطة

فحصرها وبث العساكر في نواحيها فغمن وشحن مراكبه بالغنائم وانصرف إلى بلرم في شوال‏.‏

وفي سنة خمس وخمسين ومائتين سير خفاجة ابنه محمدًا إلى مدينة طبرمين وهي من أحسن مدن صقلية فسار في صفر إليها وكان قد أتاهم من وعدهم أن يدخلهم إليها من طريق يعرفه فسيره مع ولده فلما قربوا منها تأخر محمد وتقدم بعض عساكره رجالة مع الدليل فأدخلهم المدينة وملكوا بابها وسورها وشرعوا في السبي والغنائم وتأخر محمد بن خفاجة فيمن معه من العسكر عن الوقت الذي وعدهم أنه يأتيهم فيه فلما تأخر ظنوا أن العدوقد أوقع بهم فمنعهم من السبي فخرجوا عنها منهزمين ووصل محمد إلى باب المدينة ومن معه من العسكر فرأى المسلمين قد خرجوا منهأن فعاد راجعًا‏.‏

وفيها في ربيه الأول خرج خفاجة وسار إلى مرسة وسير ابنه في جماعة كثيرة إلى سرقوسة فلقيه العدوفي جمع كثير فاقتتلوأن فوهن المسلمون وقتل منهم ورجعوا إلى خفاجة فسار إلى سرقوسة فحصرهأن وأقام عليهأن وضيق على أهلهأن وأفسد بلادهأن وأهلك زرعهم وعاد عنها يريد بلرم فنزل بوادي الطين وسار منه ليلأن فاغتاله رجل من عسكره فطعنه طعنة فقتله وذلك مستهل رجب وهرب الذي قتله إلى سرقوسة وحمل خفاجة إلى بلرم فدفن بها وولى الناس عليهم بعده ابنه محمدًا وكتبوا بذلك إلى الأمير محمد بن أحمد أمير إفريقية فأقره على الولاية وسير له العهد والخلع‏.‏

  ذكر ولاية ابنه محمد

لما قتل خفاجة استعمل الناس ابنه محمدأن وأقره بن أحمد بن الأغلب صاحب القيروان على ولايته فسير جيشًا في سنة ست وخمسين ومائتين إلى مالطة وكان الروم يحاصرونهأن فلما سمع الروم بمسيرهم رحلوا عنها‏.‏

وفي سنة سبع وخمسين ومائتين في رجب قتل الأمير محمد قتله خدمه الخصيان وهربوأن فطلبهم الناس فأدركوهم فقتلوهم‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها ولي المنتصر أبا عمرة أحمد بن سعيد مولى بني هاشم بعد البيعة له بيوم المظالم فقال الشاعر‏:‏ يا ضيعة الإسلام لما ولي مظالم الناس أبوعمرة صير مأمونًا على أمة وليس مأمونًا على بعره وفيها سار جيش للمسلمين بالأندلس إلى مدينة برشلونة وهي للفرنج فأوقعوا بأهلهأن فراسل صاحبها ملك الفرنج يستمده فأرسل إليه جيشًا كثيفأن وأرسل المسلمون يستمدون فأتاهم المدد فنازلوا برشلونة وقاتلوا قتالًا شديدًا فملكوا أرباضهأن وبرجين من أبراج المدينة فقتل من المشركين بها خلق كثير وسلم المسلمون وعادوا وقد غمنوا‏.‏

وفيها توفي أبوعثمان بكر بن محمد المازني النحوي الإمام في العربية‏.‏

  حوادث سنة ثمان وأربعين ومائتين

  ذكر غزاة وصيف الروم

في هذه السنة أغزى المنتصر وصيفًا التركي إلى بلاد الروم وكان سبب ذلك أنه كان بينه وبين أحمد بن الخصيب شحناء وتباغض فحرض أحمد ابن الخصيب المنتصر على وصيف وأشار عليه بإخراجه من عسكره للغزاة فأمر المنتصر بإحضار وصيف فلما حضر قال له‏:‏ قد أتانا عن طاغية الروم أنه أقبل يريد الثغر وهذا أمر لا يمكن الإمساك عنه ولست آمنة أن يهلك كل ما مر به من بلاد الإسلام وسقتل ويسبي فإما شخصت أنت وإما شخصت أنا‏.‏

فقال‏:‏ بل أشخص أنأن يا أمير المؤمنين‏.‏

فقال لأحمد بن الخصيب‏:‏ انظر إلى ما يحتاج إليه

وصيف فأتمه له‏.‏

فقال‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين‏!‏ قال‏:‏ ما نعم قم الساعة‏!‏ وقال لوصيف‏:‏ مر كاتبك أن يوافقه على ما يحتاج إليه ويلزمه حتى يفرغ منه‏.‏

فقاما‏.‏

ولم يزل أحمد بن الخصيب في جهازه حتى خرج وانتخب له الرجال فكان معه اثنا عشر ألف رجل وكان على مقدمته مزاحم بن خاقان أخوالفتح وكتب المنتصر إلى محمد بن عبد الله بن طاهر ببغداد يعلمه ذلك ويأمره أن ينتدب الناس إلى الغزاة ويرغبهم فيها وأمر وصيفًا أن يوافي ثغر ملطية وجعل على نفقات العسكر والمغامن والمقاسم أبا الوليد الحريري البجلي ولما سار وصيف كتب إليه المنتصر يأمره بالمقام بالثغر أربع سنين يغزوفي أوقات الغزومنها إلى أن يأتيه رأيه‏.‏

  ذكر خلع المعتز والمؤيد

وفي هذه السنة خلع المعتز والمؤيد ابنا المتوكل من ولاية العهد وكان سبب خلعهما أن المنتصر لما استقامت له الأمور قال أحمد بن الخصيب لوصيف وبغا‏:‏ إنا لا نأمن الحدثان وأن يموت أمير المؤمنين فيلي المعتز الخلافة فيبيد خضراءنا ولا يبقي منا باقية والآن الرأي أن نعمل في خلع المعتز والمؤيد‏.‏

فجد الأتراك في ذلك وألحوا على المنتصر وقالوا‏:‏ نخلعهما من الخلافة ونبايع لابنك عبد الوهاب فلم يزالوا به حتى أجابهم وأحضر المعتز والمؤيد بعد أربعين يومًا من خلافته وجعلا في دار فقال المعتز للمؤيد‏:‏ يا أخي قد أحضرنا للخلع فقال‏:‏ لا أظنه يفعل ذلك‏.‏

فبيمنا هما كذلك إذ جاءت الرسل بالخلع فقال المؤيد‏:‏ السمع والطاعة فقال المعتز‏:‏ ما كنت لأفعل فإن أردتم القتل فشأنكم فأعلموا المنتصر ثم عادوا بغلظة وشدة وأخذوا المعتز بعنف وأدخلوه بيتا وأغلقوه عليه الباب فلما رأى المؤيد ذلك قال لهم بجرأة واستطالة‏:‏ ما هذا يا كلاب قد ضربتم على دمائنا تثبون على مولاكم هذا الوثوب دعوني وإياه حتى أكلمه‏!‏ فسكتوا عنه وأذنوا له في الاجتماع به بعد إذن من المنتصر بذلك‏.‏

فدخل عليه المؤيد وقال‏:‏ يا جاهل تراهم نالوا من أبيك وهوهو ما نالوأن ثم تمتنع عليهم اخلع ويلك لا تراجعهم‏!‏ فقال‏:‏ وكيف أخلع وقد جرى في الآفاق فقال‏:‏ هذا ال أمر قتل أباك وهويقتلك وإن كان في سابق علم الله أن تلي لتلين‏.‏

فقال‏:‏ أفعل‏.‏

فخرج المؤيد وقال‏:‏ قد أجاب إلى الخلع فمضوأن وأعلموا المنتصر وعادوا فشكروه ومعهم كاتب فجلس فقال للمعتز‏:‏ اكتب بخطك خلعك‏!‏ فامتنع فقال المؤيد لكاتب‏:‏ هات قرطاسك‏!‏ أملل علي ما شئت فأملى عليه كتابًا إلى المنتصر يعلمه فيه ضعفه عن هذا الأمر وأن لا يحل له أن يتقلده وكره أن يأثم المتوكل بسببه إذ لم يكن موضعًا له ويسأله الخلع ويعلمه أنه قد خلع نفسه وأحل الناس من بيعته فكتب ذلك وقال للمعتز‏:‏ اكتب‏!‏ فأبى فقال‏:‏ اكتب ويلك فكتب وخرج الكاتب عنهمأن ثم دعاهمأن فدخلا على المنتصر فأجلسهما وقال‏:‏ هذا كتابكما فقالا‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين‏.‏

فقال لهما والأتراك وقوف‏:‏ أتراني خلعتكما طعمًا في أن أعيش حتى يكبر ولدي وأبايع له والله ما طمعت في ذلك ساعة قط وإذا لم يكن لي في ذلك طمع فوالله لأن يليها بنوأبي أحب إلي من أن يليها بنوعمي ولكن هؤلاء وأومأ إلى سائر الموالي ممن هوقائم عنده وقاعد أحلوا علي في خلعكما فخفت إن لم أفعل أن يعترضكما بعضهم بحديدة فيأتي عليكمأن فما ترياني صانعًا إذن أقتله‏!‏ فوالله ما تفي دماؤهم كلهم بدم بعضكم‏.‏

فكانت إجابتهم إلى ما سألوا أسه علي‏.‏

فقبلا يده وضمهمأن ثم أشهدا على أنفسهما القضاة وبني هاشم والقواد ووجوه الناس وغيرهم بالخلع وكتب بذلك المنتصر إلى محمد ابن عبد الله بن طاهر وإلى غيره‏.‏

  ذكر موت المنتصر

في هذه السنة توفي المنتصر في يوم الأحد لخمس خلون من ربيع الآخر وقيل يوم السبت وكنيته وكانت علته الذبحة في حلقه أخذته يوم الخميس لخمس بقين من شهر ربيع الأول وقيل كانت علته من ورم في معدته ثم صعد إلى فؤاده فمات وكانت علته ثلاثة أيام‏.‏وقيل إنه وجد حرارة فدعا بعض أطبائه ففصده بمبضع مسموم فمات منه وانصرف الطبيب إلى منزله وقد وجد حرارة فدعا تلميذًا ليفصده ووضع مباضعه بين يديه ليستخير أجودها فاختار ذلك المبضع المسموم وقد نسيه الطبيب ففصده به فلما فرغ نظر إليه فعرفه فأيقن بالهلاك ووصى من ساعته‏.‏

وقيل إنه كان وجد في رأسه علة فقطر ابن الطيفوري في أذنه دهنا فورم رأسه فمات‏.‏

وقيل‏:‏ بل سمه ابن الطيفوري في محاجمه فمات‏.‏

وقيل‏:‏ كان كثير من الناس حين أفضت الخلافة إليه إلى أن مات يقولون‏:‏ إمنا مدة حياته ستى اشهر مدة شيرويه بن كسرى قاتل أبيه يقوله الخاصة والعامة‏.‏

وقيل إن المنتصر كان نائمًا في بعض الأيام فانتبه وهويبكي وينتحب فسمعه عبد الله بن عمر البازيار فأتاه فسأله عن سبب بكائه فقال‏:‏ كنت نائما فرأيت فيما يرى النائم كأن المتوكل قد جاءني فقال‏:‏ ويحك يا محمد‏!‏ قتلتني وظلمتني وغبنتني خلافتي والله لا متعت بها بعدي إلا أيامًا يسيرة ثم مصيرك إلى النار فقال عبد الله‏:‏ هذه رؤيا وهي تصدق وتكذب بل

يعمرك الله ويسرك ادع بالنبيذ وخذ في اللهولا تعبأ بها‏.‏

ففعل ذلك ولم يزل منكسرًا إلى أن توفي‏.‏

قال بعضهم‏:‏ وذكرا المنتصر كان شاور في قتل أبيه جماعة من الفقهاء وأعلمهم بمذاهبه وحكى عنه أمورًا قبيحة كرهت ذكرها فأشاروا بقتله فكان كما ذكرنا بعضه‏.‏

وكان عمره خمسًا وعشرين سنة وستة أشهر وقيل أربعًا وعشرين سنة وكانت خلافته ستة أشهر ويومين وقيل كانت ستة أشهر سواء وكانت وفاته بسامرأن فلما حضرته الوفاة أنشد‏:‏ وما فرحت نفسي بدنيا أخذتها ولكن إلى الرب الكريم أصير وصلى عليه أحمد بن محمد بن المعتصم بسامرأن وبها كان مولده وكان أعين أقنى ققصيرأن مهيبأن وهوأول خليفة من بني العباس عرف قبره وذلك أن أمه طلبت إظهار قبره وكانت أمه أم ولد رومية‏.‏

  ذكر بعض سيرته

كان المنتصر عظيم الحلم راجح العقل غزير المعروف راغبًا في الخير جوادا كثير الإنصاف حسن العشرة وأمر الناس بزيارة قبر علي والحسين عليهما السلام فأمن العلويين وكانوا خائفين

أيام أبيه وأطلق وقوفهم وأمر برد فدك إلى ولد الحسين والحسن ابني علي بن أبي طالب عليه السلام‏.‏

وذكرا المنتصر لما ولي الخلافة كان أول ما أحدث أن عزل صالح ابن علي عن المدينة واستعمل عليها علي بن الحسين بن إسماعيل بن العباس ابن محمد‏.‏

قال علي‏:‏ فلما دخلت أودعه قال لي‏:‏ يا علي‏!‏ إني أوجهك إلى لحمي ودمي ومد ساعده وقال‏:‏ إلى هذا أوجه بك فانظر كيف تكون للقوم وكيف تعاملهم يعني إلى آل أبي طالب‏.‏

فقال‏:‏ أرجوأن أمتثل أمر أمير المؤمنين إن شاء الله تعالى فقال‏:‏ إذًا تسعد عندي‏.‏

ومن كلامه‏:‏ والله ما عز ذوباطل ولوطلع القمر من جبينه ولا ذل ذوحق ولوأصفق العالم عليه‏.‏

  ذكر خلافة المستعين

وفي هذه السنة بويع أحمد بن محمد بن المعتصم بالخلافة وكان سبب ذلك أن المنتصر لما توفي اجتمع الموالي على الهارونية من الغد وفيها بغا الكبير وبغا الصغير وأتامش وغيرهم فاستخلفوا قواد الأتراك والمغاربة والشروسنية على أن يرضوا بمن رضي به بغا الكبير وبغا الصغير وأتامش وذلك بتدبير أحمد بن الخصيب فحلفوا وتشاوروا وكرهوا أن يتولى الخلافة

أحد من ولد المتوكل لئلا يغتالهم واجتمعوا على أحمد بن محمد بن المعتصم وقالوا‏:‏ لا تخرج الخلافة من ولد مولانا المعتصم فبايعوه ليلة الاثنين لست خلون من ربيع الآخر وهوابن ثمان وعشرين سنة ويكنى أبا العباس فاستكتب أحمد بن الخصيب واستوزر أتامش‏.‏

فلما كان يوم الاثنين سار المستعين إلى دار العامة في زي الخلافة وحمل إبراهيم بن إسحاق بين يديه الحربة وصف واجن الأشروسني أصحابه صفين وقام هووعدة من وجوه أصحابه وحضر الدار أصحاب المراتب من العباسيين والطالبيين وغيرهم‏.‏

فبينا هم كذلك إذ جاءت صيحة من ناحية الشارع والسوق وإذا نحومن خمسين فارسًا ذكروا أنهم من أصحاب محمد بن عبد الله بن طاهر ومعهم غيرهم من أخلاط الناس والغوغاء والسوقة فشهروا السلاح وصاحوا‏:‏ نفير يا منصور‏!‏ وشدوا على أصحاب الأشروسني فتضعضعوا وانضم بعضهم إلى بعض وتحرك من على باب العامة من المبيضة والشاكرية وكثروا فحمل عليهم المغاربة وبعض الأشروسنية فهزمزهم حتى أدخلوهم درب زرافة ثم نشبت الحرب بينهم فقتل جماعة وانصرف الأتراك بعد ثلاث ساعات وقد بايعوا المستعين هم ومن حضر من الهاشميين وغيرهم‏.‏

ودخل الغوغاء والمنتهبة دار العامة فانتهبوا الخزانة التي فيها السلاح والدروع والجواشن

والسيوف والتراس وغير ذلك وكان الذين نهبوا ذلك الغوغاء وأصحاب الحمامات وغلمان أصحاب الباقلي وأصحاب الفقاع فأتاهم بغا الكبير في جماعة فأجلوهم عن الخزانة وقتلوا منهم عدة وكثر القتل من الفريقين وتحرك أهل السجن بسامرأن وهرب منهم جماعة ثم وضع العطاء على البيعة وبعث بكتاب البيعة إلى محمد بن عبد اله بن طاهر فبايع له هووالناس ببغداد‏.‏

ذكر ابن مسكويه في كتاب تجارب الأمم أن المستعين أخوالمتوكل لأبيه وليس هوكذلك إمنا هوولد أخيه محمد بن المعتصم والله أعلم‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها ورد على المستعين وفاة طاهر بن عبد الله بن طاهر بخراسان في رجب فعقد المستعين لابنه محمد بن طاهر على خراسان فلمحمد بن عبد الله بن طاهر على العراق وجعل إليه الحرمين والشرطة ومعاون السواد وأفرد به‏.‏

وفيها مات بغا الكبير فعقد لابنه موسى على أعمال أبيه كلها وولى ديوان البريد‏.‏

وفيها وجه أبوجور التركي إلى أبي العمود الثعلبي فقتله بكفرتوثي لخمس بقين من ربيع الآخر‏.‏

وفيها خرج عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى الحج فوجه خلفه رسول ينفيه إلى برقة ويمنعه من الحج‏.‏

وفيها أتباع المستعين من المعتز والمؤيد جميع مالهما وأشهدا عليهما القضاة والفقهاء وكان الشراء باسم الحسن بن المخلد للمستعين وترك للمعتز ما يتحصل منه في السنة عشرون ألف دينار وللمؤيد ما يتحصل منه في السنة خمسة آلاف دينار وجعلا في حجرة في الجوسق ووكل بهما وكان الأتراك حين شغب الغوغاء أرادوا قتلهما فمنعهم أحمد بن الخصيب وقال‏:‏ لا ذنب لها ولكن احبسوهما فحبسوهما‏.‏

وفيها غضب الموالي على أحمد بن الخصيب في جمادى الآخرة واستصفى ماله ومال ولده ونفي إلى إقريطش‏.‏

وفيها صرف علي بن يحيى الأرمني عن الثغور الشامية وعقد له على أرمينية وأذربيجان في شهر رمضان‏.‏

وفيها شغب أهل حمص على كيدر عاملهم فأخرجوه فزجه إليهم المستعين الفضل بن قارن فأخذهم فقتل منهم خلقًا كثيرا وحمل منهم مائة من أعيانهم إلى سامرا‏.‏

وفيها غزا الصائفة وصيف وكان مقيمًا بالثغر الشامي فدخل بلاد الروم فافتتح حصن

وفيها عقد المستعين لأتامش على مصر والمغرب واتخذه وزيرًا‏.‏

وفيها عقد لبغا الشرابي على حلوان وماسبذان ومهر جانقذق وجعل المستعين شاهك الخادم على داره وكراعه وحرمه وحراسه وخاص أموره وقدمه وأتامش على جميع الناس‏.‏

وحج بالناس هذه السنة محمد بن سليمان الزينبي‏.‏

وفيها حكم محمد بن عمروأيام المنتصر‏.‏

وخرج بناحية الموصل خارجي فوجه إليه المنتصر إسحاق بن ثابت الفرغاني فأسره مع عدة من أصحابه فقتلوا وصلبوا‏.‏

وفيها تحرك يعقوب بن الليث الصفار من سجستان نحوهراة‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن عدويه أبومحمد الرافعي الزاهد وكان مستجاب الدعوة وهومن أهل إفريقية‏.‏

وفيها سارت سرية في الأندلس إلى ذي تروجة وكان المشركون قد تطاولوا إلى ذلك الجانب فلقيتهم السرية فأصابوا من المشركين وقتلوا كثيرًا منهم‏.‏

وفيها كان بصقلية سرايا للمسلمين فغمنت وعادت ولم يكن حرب بينهم تذكر‏.‏

وفيها توفي أبوكريب محمد بن العلاء الهمذاني الكوفي في جمادى الآخرة وكان من مشايخ البخاري ومسلم ومحمد بن حميد الرازي المحدث‏.‏

  ذكر غزو الروم وقتل علي بن يحيى الأرمني

في هذه السنة غزا جعفر بن دينار الصائفة فافتتح حصنا ومطامير واستأذنه عمر بن عبيد الله الأقطع في المسير إلى بلاد الروم فأذن له فسار في خلق كثير من أهل ملطية فلقيه الملك ف جمع عظيم من الروم بمرج الأسقف فحاربه محاربة شديدة قتل فيها من الفريقين خلق كثير‏.‏

ثم أحاطت به الروم وهم خمسون ألفا وقتل عمر وممن معه ألفان من المسلمين في منتصف رجب فلما قتل عمر بن عبيد اله خرج الروم إلى الثغور الجزرية وكلبوا عليها وعلى أموال المسلمين وحرمهم فبلغ ذلك علي ابن يحيى وهوقافل من أرمينية إلى ميافارقين في جماعة من أهلها ومن أهل السلسلة فنفر إليهم فقتل في نحومن أربع مائة رجل وذلك في شهر رمضان‏.‏

  ذكر الفتنة ببغداد

وفيها شغب الجند والشاكرية ببغداد وكان سبب ذلك أن الخبر لما اتصل بهم وبسامرا وما قرب منها بقتل عمر بن عبيد الله وعلي بن يحيى وكانا من شجعان الإسلام شديدًا بأسهما عظيمًا غناؤهما عن المسلمين في الثغور شق ذلك عليهم مع قرب مقتل أحدهما من الآخر وما

لحقهم من استعظامهم قتل الأتراك لمتوكل واستيلائهم على أمور المسلمين يقتلون من يريدون من الخلفاء ويستخلفون من أحبوا من غير ديانة ولا نظر للمسلمين‏.‏فاجتمعت العامة ببغداد الصراخ والنداء بالنفير وانضم إليها الأبناء والشاكرية تظهر أنها تطلب الأرزاق وكان ذلك أول صفر فتحوا السجون وأخرجوا من فيها وأحرقوا أحد الجسرين وقطعوا الآخر وانتهبوا دار بشر وإبراهيم ابني هارون كاتبي محمد بن عبد الله ثم أخرج أهل اليسار من بغداد وسامرا أموالًا كثيرة ففرقوها فيمن نهض إلى الثغور وأقبلت العامة من نواحي الجبال وفارس والأهواز وغيرها لغزوالروم فلم يأمر الخليفة في ذلك بشيء ولم يوجه عسكره‏.‏

  ذكر الفتنة بسامرا

وفيها في ربيه الأول وثب نفر من الناس لا يدري من هم بسامرا ففتحوا السجن وأخرجوا من فيه فبعث في طلبهم جماعة من الموالي فوثب العامة بهم فهزموهم فركب بغا وأتامش ووصيف وعامة الأتراك فقتلوا من العامة جماعة فرمي وصيف بحجر فأمر بإحراق ذلك المكان وانتهبت المغاربة ثم سكن ذلك آخر النهار‏.‏

في هذه السنة قتل أتامش وكاتبه شجاع وكان سبب ذلك أن المستعين أطلق يد والدته ويد أتامش وشاهك الخادم في بيوت الأموال وباحهم فعل ما أرادوا فكانت الأموال التي ترد من الآفاق يصير معظمها إلى هؤلاء الثلاثة فأخذ أتامش أكثر ما في بيوت الأموال وكان في حجره العباس بن المستعين وكان ما فضل من هؤلاء الثلاثة أخذه أتامش للعباس فصرفه في نفقاته وكانت الموالي تنظر إلى الأموال تؤخذ وهم في ضيقة ووصيف وبغا بمعزل من ذلك فأغريا الموالي بأتامش وأحكما أمره فاجتمعت الأتراك والفراعنة عليه وخرج إليه منهم أهل الدور والكرخ فعسكروا في ربيع الآخر وزحفوا إليه وهوفي الجوسق مع المستعين وبلغه الخبر فأراد الهرب فلم يمكنه واستجار بالمستعين فلم يجره فأقاموا على ذلك يومين ثم دخلوا الجوسق وأخذوا أتامش فقتلوه وقتلوا كاتبه شجاعا ونهبت دور أتامش فأخذوا منه أموالًا جمة وغير ذلك‏.‏

فلما قتل استوزر المستعين أبا صالح عبد الله بن محمد بن يزداد وعزل الفضل بن مروان عن ديوان الخراج وولاه عيسى بن فرخانشاه وولي وصيف الأهواز وبغا الصغير فلسطين ثم غضب بغا الصغير على أبي صالح فهرب إلى بغداد فاستوزر المستعين محمد بن الفضل الجرجرائي فجعل على ديوان الرسائل سعيد بن حميد فقال الحمدوني‏:‏ إن لله لأيات وذا آية له فينا منزله

  ذكر عدة حوادث

فيها قتل علي بن الجهم بن بدر الشاعر بقرب حلب كان توجه إلى الثغر فلقيه خيل لكلب فقتلوه واخذوا ما معه فقال وهوفي السياق‏:‏ أزيد في الليل ليل أم سال في الصبح سيل ذكرت أهل دجيل وأين مني دجيل وكان منزله بشارع دجيل‏.‏

وفيها عزل جعفر بن عبد الواحد عن القضاء ووليه جعفر بن محمد ابن عثمان البرجمي الكوفي وقيل كان ذلك سنة خمسين ومائتين‏.‏

وفيها أصاب أهل الري زلزلة شديدة ورجفة هدمت الدور ومات خلق من أهلها وهرب الباقون فنزلوا ظاهر المدينة وحج بالناس هذه السنة عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام وهووالي مكة‏.‏

وفيها سير محمد صاحب الأندلس جيشًا مع ابنه إلى المدينة ألبة والقلاع من بلد الفرنج

وفيها توفي أبوإبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب صاحب إفريقية ثالث عشر ذي القعدة فلما مات ولى أخوه زيادة الله بن محمد بن الأغلب فلما ولى زيادة الله أرسل إلى خفاجة بن سفيان أمير صقلية يعرفه موت أخيه وأمره أن يقيم على ولايته‏.‏

  حوادث سنة خمسين ومائتين

  ذكر ظهور يحيى بن عمر الطالبي ومقتله

في هذه السنة ظهر يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المكنى بأبي الحسين عليه السلام بالكوفة وكانت أمه فاطمة بنت الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب رضي الله عنهم‏.‏

وكان سبب ذلك أن أبا الحسين نالته ضيقة ولزمه دين ضاق به ذرعا فلقي عمر بن فرج وهويتولى أمر الطالبيين عند مقدمه من خراسان أيام المتوكل فكلمه في صلته فأغلظ له عمر القول وحبسه فلم يزل محبوسًا حتى كفله أهله فأطلق فسار إلى بغداد فأقام بها بحال سيئة ثم رجع إلى سامرا فلقي وصيفًا في رزق يجري له فأغلظ له وصيف وقال‏:‏ لأي شيء يجري

فانصرف عنه إلى الكوفة وبها أيوب بن الحسن بن موسى بن جعفر بن سليمان الهاشمي عامل محمد بن عبد الله بن طاهر فجمع أبوالحسين جمعًا كثيرًا من الأعراب وأهل الكوفة وأتى الفلوجة فكتب صاحب البريد بخبره إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فكتب محمد إلى أيوب وعبد الله بن محمود السرخسي عامله على معاون السواد يأمرهما بالاجتماع على محاربة يحيى ابن عمر فمضى يحيى بن عمر إلى بيت مال الكوفة يأخذ الذي فيه وكان فيما قيل ألفي دينار وسبعين ألف درهم وأظهر أمره بالكوفة وفتح السجون واخرج من فيها وأخرج العمال عنها فلقيه عبد الله بن محمود السرخسي فيمن معه فضربه يحيى بن عمر ضربة على وجهه أثخنه بها فانهزم عبد الله واخذ أصحاب يحيى ما كان معهم من الدواب والمال‏.‏

وخرج يحيى إلى سواد الكوفة وتبعه جماعة من الزيدية وجماعة من أهل تلك النواحي إلى ظهر واسط وأقام بالبستان فكثر جمعه فوجه محمد بن عبد الله إلى محاربته الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب في جمع من أهل النجدة والقوة فسار إليه فنزل في وجهه لم يقدم عليه فسار يحيى والحسين في أثره حتى نزل الكوفة ولقيه عبد الرحمن ابن الخطاب المعروف بوجه الفلس قبل دخولها فقاتله وانهزم عبد الرحمن إلى ناحية شاهي ووافاه الحسين فنزلا بشاهي‏.‏

واجتمعت الزيدية إلى يحيى بن عمر ودعا بالكوفة إلى الرضي من آل محمد فاجتمع الناس إليه وأحبوه وتولاه العامة من أهل بغداد ولا يعلم أنهم يولون أحدًا من بيته سواه وبايعه جماعة من أهل الكوفة ممن له تدبير وبصيرة في تشيعهم ودخل فيهم أخلاط لا ديانة لهم‏.‏

وأقام الحسين بن إسماعيل بشاهي واستراح واتصلت بهم الأمداد وأقام يحيى بالكوفة يعد العدد ويصلح السلاح فأشار عليه جماعة من الزيدية من لا علم لهم بالحرب لمعالجة الحسين بن إسماعيل وألحوا عليه فزحف إليه ليلة الاثنين عشرة خلت من رجب ومعه الهيضم العجلي وغيره ورجالة من أهل الكوفة ليس لهم علم ولا شجاعة وأسروا ليلتهم وصبحوا الحسين وهومستريح فثاروا بهم في الغلس وحمل عليهم أصحاب الحسين فانهزموأن ووضعوا فيهم السيف وكان أول أسير الهيضم العجلي وانهزم رجالة أهل الكوفة وأكثرهم بغير سلاح فداستهم الخيل‏.‏

وانكشف العسكر عن يحيى بن عمر وعليه جزشن قد تقطر به فرسه فوقف عليه ابن لخالد بن عمران فقال له‏:‏ خير فلم يعرفه وظنه رجلًا من أهل خراسان لما رأى عليه الجوشن فأمر رجلأن فنزل إليه فاخذ رأسه وعرفه رجل كان معه وسير الرأس إلى محمد بن عبد الله بن طاهر وادعى قتله غير واحد فسير محمد الرأس إلى المستعين فنصب بسارما لحظة ثم حطه

ورده إلى بغداد لينصب بهأن فلم يقدر محمد على ذلك لكثرة من اجتمع من الاس فخاف أن يأخذوه فم ينصبه وجعله في صندوق في بيت السلاح‏.‏

ووجه الحسين بن إسماعيل برؤوس من قتل وبالأسرى فحبسوا ببغداد وكتب محمد بن عبد الله يسأل العفوعنهم فأمر بتخليتهم وأن تدفن الرؤوس ولا تنصب ففعل ذلك‏.‏

ولما وصل الخبر بقتل يحيى جلس محمد بن عبد الله يهنأ بذلك فدخل عليه داود بن الهيثم أبوهاشم الجعفري فقال‏:‏ أيها الأمير‏!‏ إنك لتهنأ بقتل رجل لو كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيًا ليعزي به‏.‏

فما رد عليه محمد شيئا فخرج داود وهويقول‏:‏ يا بني طاهر كلوه وبيئًا إن لحم النبي غير مري إن وترًا يكون طالبه الل ه لوتر نجاحه بالحري وأكثر الشعراء مراثي يحيى لما كان عليه من حسن السيرة والديانة فمن ذلك قول بعضهم‏:‏ بكت الخيل شجوها بعد يحيى وبكاه المهند المصقول وبكته العراق شرقًا وغربًا وبكاه الكتاب والتنزيل والمصلى والبيت والركن والحج ر جميعًا له عليه عويل كيف لم تسقط السماء علينا يوم قالوا‏:‏ أبوالحسين قتيل قطعت وجهه سيوف الأعادي بأبي وجهه الوسيم الجميل إن يحيى أبقى بقلبي غليلًا سوف يودي بالجسم ذاك الغليل قتله مذكر لقتل علي وحسين ويوم أوذي الرسول صلوات الإله وقفًا عليهم ما بكى موجع وحن ثكول